Monday, August 26, 2013

تمنيت لو بقيت هناك

عندما كان البابا شنودة يحكي عن أول مرة ذهب الي الدير قال انه كان يمسك بتذكرة 
الأتوبيس الصحراوي وكأن معه صك من صكوك الغفران


وعندما كان في الطريق الي الدير كان قلبه يدق بشغف..فهو يريد الوصول الي الدير
 بأسرع طريقه..

كان قلبه ملتهبا لزيارة هذا المكان المقدس..الذي عندما وصل الي أبوابه..سجد وقبل التراب

الذهاب الي الدير في الخمسينيات لم يكن أمرا سهلا كما هو الآن..فالطريق من الريست هاوس الي الدير لم يكن مرصوفا وكان علي الزائرين أن يمشوا مدة ساعتين في الصحراء الي أن يصلوا الي أبواب الدير

وبالرغم من كل هذا كان البابا مداوم الزيارات الي الدير ولم يأبي بكل ما كانوا ينصحونه الناس بضرورة أخذ عصا أو مياه معه في الطريق..فهذا الطريق بالنسبة له لم يكن طريقا موحشا كما للبعض..بل بالنسبة له كان الطريق الذي يمشيه بكل فرح و سرور حتي يصل الي السماء

في هذا المقال..يروي البابا عن احدي زيارته لدير السريان..وعن تعامله مع أسقف الدير الأنبا ثاؤفيليس و بعض الآباء الرهبان..وعن عمله في الدير..ويختمه بجملة قد تكون أجمل جملة قرأتها في أي كتب رهبنة
سأترك لك أن تقرأ المقال و أن تتعمق فيه..ولاحظ آخر جملة كتبها البابا في مقاله


قيل لي
كنت ذاهباً وحدي إلى الدير، منذ أسبوع تقريباً
قيل لي من الصعب أن تذهب بمفردك، إذ أنك محتاج إلى
مرشد وإلى أنيس في ذلك الطريق الموحش الطويل. وقيل لي
نحن الآن في الشتاء، والرحلة إلى الدير متعبة، والجو قارس
البرد. وصحتك لا تحتمل. وقيل لي ستسير على قدميك أكثر من
ثلاث ساعات ونصف، وقد تضل الطريق. وقيل لي اصطحب
معك عصا تتوكأ عليها إذا ما انغرست قدماك في الرمال،
وأصبحت ترفع الواحدة منهما بصعوبة، وتحرك الأخرى
بمشقة. وقيل لي خذ معك كمية وافرة من الماء تنقذك إذا
ما جف حلقك في الطريق. وقيلت لي أشياء كثيرة أخرى، لا
يسعني أن أذكرها لك جميعاً يا أخي القارئ، ولكنني صممت
 مع ذلك على الذهاب، في ذلك الطريق الموحش الطويل!.. إلى هناك
وبقبعة عريضة فوق رأسي، وحقيبة من القماش على
ظهري، غادرت منزلنا حوالي السادسة صباحاً، لكي استقل
سيارة الخطوط الصحراوية التي تغادر ميدان قصر النيل في
الربع قبل السابعة.. وسأحاول أن أصف لك كل شيء بتفصيل
على قدر الإمكان، فربما تفكر في مثل هذه الرحلة في يو
في الطريق
كنت وحيداً، ولم أكن أعرف الطريق، ولكنني كنت
أشعر في كل ذلك أن قوة إلهية غير مرئية ستقودني في كل
خطوة. وتحقق فعلاً ما كنت أتوقعه.
وصلت إلى موقف السيارة حوالي السادسة والنصف
صباحاً فرأيت هناك أحد الكهنة، وإذ قبلت يده في فرح
سألته عن وجهته فقال لي إنه أحد رهبان دير الأنبا في بيشوي
في طريقه إلى ديره. فقلت له إذا سنذهب معاً إن شاء الله فدير
الأنبا بيشوي إلى جوار دير السريان.. وهكذا حل الله أو
مشكلة، مشكلة المرشد والأنيس.
وقامت بنا السيارة في موعدها، وأخذت مناظر البيوت
والشوارع تختفي عن أنظارنا شيئاً فشيئاً، ثم بدت لنا أهرامات
الجيزة، ثم خلفناها وراءنا، ولم يعد عن يميننا ويسارنا غير
الصحراء: الشمس والرمل والصخر وبقايا معسكرات قديمة
ولافتات تدل على عدد الكيلومترات الباقية من المسافة إلى
الاسكندرية..
وهو ،Rest House ثم وقفت بنا السيارة عند ال
فندق في منتصف الطريق الصحراوي تقريباً بين القاهرة
والاسكندرية، تقف عنده العربات لتأخذ حاجتها من
البنزين أو الزيت أو الماء، وينال فيه الركاب قسطاً من الراحة
وشيئاً من الطعام أو الشراب.
كان ذلك في حوالي الثامنة والثلث صباحا، وكانت هذه
المحطة هي وجهتنا بالذات، وبدا دير الأنبا بيشوي ودير
السريان على مرأى أنظارنا خلف الرمال، وكان من الممكن
أن أسير على هداهما فأصل قبيل الظهر. وقال لي زميلي الكاهن
ونحن جالسان إلى إحدى الموائد في الفندق إنه ينتظر عربة
تصله من الدير في الثانية عشرة ظهراً، وتذكرت كل ما قيل
لي عن الطريق الموحش الطويل، ففضلت الانتظار مع الأب
الراهب حتى تأتي العربة. وبرغم أن العربة لم تأت إلا أنني
لست نادماً على الساعات الطويلة التي قضيناها في الفندق،
فقد تمتعنا بحديث شيق تذاكرنا فيه الكنيسة ومتاعبها،
ولكنه حديث ليس للنشر..
 في الثانية عشرة وعشر دقائق، في منتصف الظهر. سرنا 
يستطيع بإحدى سيارات الجيب أن ينقل الركاب  
إلى باب الدير. وهو يتقاضى جنيهاً عن كل نقلة، وسيارته Rest House من ال
تسع حوالي الخمسة أشخاص، ولكننا لم نجده وقتذاك.

معاً في طريقنا إلى الدير. كان الطريق ينقسم إلى مراحل
المرحلة الأولى، وهي في طريق مرصوف تسير فيه كثير من
إلى مقر شركة الملح والصودا Rest House العربات من ال
بالهوكارية، وقد قطعناه بمشية معتدلة في ثلثي ساعة. ثم
سرنا بعده في الجبل على الرمل إلى الدير.
لم تكن معي عصا، ولم أكن في حاجة إليها، فلم تنغرس
قدماي في الرمال بالشكل الذي قيل لي. ولم يكن معي ماء،
ولم اشعر بحاجة إليه، فلم أعطش في الطريق. ولم يكن
الطريق موحشاً، وإن كان يتقلب بين أرض رملية وأرض
صخرية وأرض ملحية.. ولم يكن طويلاً جداً فقد قطعنا
المرحلة الثانية بمشية معتدلة أيضاً في ساعتين إلا ثلث
من الممكن أن تحملك في هذا الطريق إحدى سيارات شركة الملح والصودا
إن وجدت. ولكن الوقت بالنسبة إلينا كان ظهراً، وكان الطريق خالياً من
السيارات تقريباً.

فيكون مجموع ما سرناه ساعتين وثلثاً. ولو كنا أسرعنا، أو لو
سرنا في طريق آخر مختصر، لقطعنا المرحلتين معاً من موقف
السيارة إلى باب الدير في ساعتين أو أقل..
كان الأب الراهب يعرف الطريق، وكان الديران ظاهرين
أمامنا طول المسافة كشبحين رابضين في الصحراء، وإن كان
دير الأنبا بيشوي يبدو أكثر وضوحاً لأن الأرض التي أمامه
ليست بها مرتفعات تخفي بعض أجزائه كالأرض التي أمام
دير السريان..
وأخذت المسافة تقصر بيننا وبين الديرين، وهم يتضحان
أكثر فأكثر، حتى وصلنا أخيرا..

في دير الأنبا بيشوي
كنت أريد أن أتجه مباشرة إلى دير السريان، فقد جئت
خصيصاً لزيارته، ولكن الأب الكاهن الذي كنت معه أصر
على أن أصاحبه إلى دير الأنبا بيشوي، فدخلنا هناك حيث
قدم لنا طعام الغذاء وتمتعنا بحفاوة وكرم الآباء الرهبان. على
أنني لم أقض هناك إلا دقائق ثم ذهبت في صحبة بعض الآباء
إلى دير السريان.. شددنا الحبل المتدلي من الدير فدق الجرس
المعلق في أعلى البوابة، وأقبل أحد الرهبان ففتح لنا الباب
ودخلنا.
وجوه مألوفه
كان أول من صادفني راهب شاب، قابلني بترحاب كبير
وبشاشة زائدة. إنه وجه مألوف لديّ. كان شاباً من شبان
مدارس الأحد بشبرا. وسرت قليلاً فإذا بي أجد وجهاً مألوفاً
آخر. إنه القس مكاري أحد أمناء مدارس أحد الجيزة سابقاً..
ثم رأيت رهباناً آخرين وخيل إلى أنني ما أزال في القاهرة في
مدارس الأحد. وأخيراً قابلت الأب الأسقف الأنبا ثاؤفيلس.
رأيت راعياً
لقد أحببت هذا الرجل، وأعجبني من صفاته التواضع
والمحبة والرغبة في التفاهم... إن علاقته برهبانه الموجودين في
الدير، علاقة محبة، وتفاهم متبادل، ورعاية صادقة.
وهو ينتقل من مكان إلى مكان في الدير، يشرف وينظم،
ويتبادل أحاديث المحبة مع هذا وذاك - كان في الدير أخ
متوعك الصحة فمر عليه الأب الأسقف في قلايته عدة مرات
في اليوم الواحد، ورغم أن باب القلاية كان مفتوحاً، إلا أنه في
ثم كل مرة كان يقرع في تواضع على الباب، وهو يقول أغابي
ينتظر، فإذا ما رد الراهب دخل واستفسر عن صحته، واطمأن
عليه، وطلب له ما يحتاجه من اسبرين أو مشروب ساخن.
وبينما كنت جالساً في إحدى المرات مع الأب مكاري

في قلايته نتحدث في أمر المطبوعات الجديدة التي قوم بها
للدير، إذا بوجه محبوب يطل علينا من نافذة القلاية المفتوحة،
وصوت حنون يتكلم.. إنه الأب الأسقف، يبدأ بتحية رقيقة
لكلينا، ثم يسأل عن المطبوعات وماذا تم فيها، وماذا طبع،
وكم ملزمة تحت الطبع، ثم يجلس معنا، كواحد منا، يتكلم
ويتفاهم في تواضع ومحبة..
وكثيراً ما كنت أسير في الدير، فأجده واقفاً مع هذا
الراهب أو ذاك. يتكلم معه كما يكلم الأب ابنه في بساطة
تامة، وبدون كلفة أو رسميات..
وقد كان نيافته رقيقاً جداً في ضيافته لي. تحدثت معه في
مواضيع شتى، وطرقنا أموراً كثيرة للكنيسة، وكنا متفقين معاً
في كل شيء فلم نختلف في نقطة واحدة. وقد تمتعت بكثير
من كرم نيافته: قدم لي حجرة مريحة خاصة، وكنت أتناول
الطعام معه طول المدة تقريباً، وسار معي في كل نواحي الدير
يشرح لي كل شيء
المتحف .. والمطبعة..
أراني نيافته متحفاً صغيراً أسسه في الدير، جمع فيه كل
المخلفات الأثرية التي عثر عليها ملقاة هنا أو هناك، منها
بعض القناديل والنجف والمباخر والعصي والكتابات
والصور، وبعض بنادق لعلها أثر تبقى من إغارات البربر
والأعراب، وبعض أدوات الهيكل وغير ذلك من التحف.. ثم
انتقلنا إلى المطبعة..
ولأول مرة يُدخل أسقف مطبعة في ديره. لقد تعب كثيراً
في إحضارها، ونقلها في الطريق الصحراوي الطويل إلى الدير.
وقد أحضر لها عاملين علمانيين لجمع الحروف والطبع، كما
تعلم بعض الرهبان الطباعة أيضا. ورأيت الورق الذي اشتراه
الأب الأسقف والملازم التي طبعت حتى الآن من كتاب
وهو جزء من مخطوطات الدير الآباء الحاذقين في العبادة

القيمة، سينتهي طبعه في هذا الشهر تقريباً ثم يرسله الأب
الأسقف إلى مكتبة مدارس الأحد بالجيزة لتوزيعه.. ورأيت
.   أيضاً الأوراق التي تم طبعها تحت عنوان من كنوز الأديرة
إن العمل يسير في المطبعة بشوق ونشاط، وكثير من
الرهبان يعملون فيه. البعض في مراجعة النص ونقله بخط
واضح، والبعض في تنقيح اللغة، والبعض في الطباعة من
جمع حروف ومراجعة بروفات وطبع. والأب الأسقف يشرف
على كل هذا، يشجع وينظم ويقدم الإمكانيات اللازمة. قال
لي القس مكاري: إننا لم نطلب شيئاً منه إلا وأحضره لنا. لم
يعارض ولم يتردد في إحضار شيء نحتاجه، حتى أننا في خجل
من محبته..
وسط الخضرة
ثم ذهبت مع نيافة الأسقف بعد ذلك إلى الحديقة، إنها
خضرة جميلة وسط الصحراء على مقربة من الدير. كانت منذ

زمن قريب رملاً أصفر، ثم بدأ يعمل فيها القمص سيداروس
بهمة كبيرة، وهو رجل طيب القلب وواحد من الرهبان
القلائل كبار السن الموجودين في الدير. اختار أرضاً منخفضة
نسبياً قريبة من مستوى الماء، ثم حفر منخفضاً حتى ظهر
الماء متدفقاً نقياً، وأحضر الأب الأسقف ماكينة لرفع الماء،
وبدأ العمل.. وزرع الأب سيداروس أشجاراً من الكافور حول
المكان، ثم قسم الأرض إلى أحواض وظل يعمل. زرع بعض
الموالح كالبرتقال والليمون والزيتون، وبعض الفاكهة كالمانجو
والبطيخ والتين الشوكي، وبعض خضروات وحاجيات الطعاك
كالحلبة والبصل والطماطم والفول الأخضر والباذنجان.
إن الأب سيداروس يحب مزروعاته، ويحنو عليها كما تحنو
الطيور على صغارها، لقد وقفت مبهوتاً ومعجباً أمام تللك
المحبة.
وقد سرنا وسط هذه الخضرة الجميلة، وكان الأب الأسقف

يتفقد كل شيء ويسأل عن كل زرعة، ويطمئن على سير العمل،
ويقدم نصائحه للأب سيداروس، ويوافق على مقترحاته
النافعة. ثم جلس على الرمل وسط هذه الزروع وجلسنا معه
وطفقنا نتحدث.. كان الجو لطيفا، والزرع نضراً، والحديث
شيقاً.. إنها أوقات لا أنساها.. ثم انتهى بنا المطاف ورجعنا
إلى الدير.
الملائكة الأرضيون
قضيت في الدير يومين كاملين تقريبا: من عصر السبت
إلى ظهر الاثنين. وأتاحت لي هذه المدة أن أحضر عشية
السبت وقداسي الأحد والاثنين، كما حضرت الدراسة يوم
الاثنين.
دقت أجراس الكنيسة وقت الغروب فذهبنا جميعاً إلى
الصلاة: كان كل راهب يدخل الكنيسة فيسجد أمام الهيكل
ثم يقف أمام الأنبوبة الخشبية المحفوظة فيها بقايا عظام

القديسين، فيتبرك ويصلي، ثم يذهب إلى حيث يقف الأب
الأسقف ويقبل الأرض بين قدميه، ثم يقبل يديه، ثم يمر على
الرهبان جميعاً وباقي المصلين، فينحني على يد كل منهم يقبلها
طالباً السماح والغفران، وأخيراً يقف في المكان المخصص له
في الكنيسة: كل واحد حسب أقدميته في الرهبنة والرتبة
الكهنوتية.
وإذ وقف الجميع في أماكنهم بدأت الصلاة، كانت عشية
عادية، ولكن الوسط الهادئ الوقور الصالح للعبادة، وصوت
الاباء المرتفع في خشية وورع، أفاضا عليها لوناً رائعاً من
الروحانية والهيبة. كانت صلاة خاشعة، انتهى الجميع منها ثم
انصرفوا بنفس الشعور.. ونفس النظام.. ونفس الوقار..
ولقد تحدثت كثيراً مع هؤلاء الرهبان.. كلهم شبان
فيهم حيوية وفيهم نشاط، والشيوخ القلائل الموجودون
بينهم هادئون طيبو القلب، والجميع يمتازون بنفس ميزات
أسقفهم: التواضع والمحبة والرغبة في التفاهم
سألت أصغرهم سناً عن الحالة في الدير، فطفق يحدثني
عن قداسة بعض الآباء، وعن المواقف التي حاربوا فيها
الشيطان بعنف، حديثاً ملأني بحب هذا المكان والساكنين
فيه. حدثني عن راهبين متوحدين وعن بعض التداريب
الروحية فقلت وأنا مأخوذ بكلامه طوباهم رهبان هذا الدير
 انهم مجاهدون فقال لي نعم ما عدا واحد وعرفت انه في 
أنه في تواضع يقصد نفسه، فابتسمت وغيرت مجرى الحديث.
وفي مرة عندما انتهيت من طعامي أسرع أحد الاباء
ليصب لي الماء ويساعدني على غسل يدي. فامتنعت فأصر
 فقلت وأنا خجول من خدمته ومحبته إحنا أتعبناك معانا يا أبونا 
فرد في بشاشة ومحبة -احنا أخدنا بركة
أحببت هذا الشخص، إنه بسيط ومتواضع وهادئ..
بل الدير كله رهبان متواضعون هادئون ودعاء، والصوت
المرتفع الصاخب لا تسمعه هناك. وحتى العلمانيان اللذان
يعملان في المطبعة اختلطت بهما فوجدت عليهما سيماء
الرهبان.
خلف القنطرة المتحركة
وفي تجوالي في الدير رأيت القصر القديم، وهو حصن
كان يلجأ إليه الرهبان في الأجيال الأولى عندما يهجم عليها
البربر أو الأعراب. تربط هذا القصر بالدير قنطرة متحركة
إذا رفعت ينفصل عنه، ويظل الرهبان فيه يقتاتون على ما
يحفظونه هناك من ترمس جاف حتى تنتهي الغزوة. وقد
قام الأنبا ثاؤفيلس الأسقف الحالي بترميم هذا الحصن،
وأصبحت فيه غرفات كثيرة صالحة للسكنى، وإن كنت قد
رأيتها جميعها خالية ما عدا غرفة واحدة يعيش فيها راهب
طيب القلب، يسكن هناك بمفرده على فراش بسيط، في
رعاية الملاك ميخائيل الملاك الحارس للدير، الذي توجد على
اسمه كنيسة قديمة في هذا الحصن..
في نصف الليل
قضيت فترة طويلة مع الآباء الرهبان مساء السبت،
وكانت الساعة الحادية عشرة والنصف حين آويت إلى فراشي.
ومرت مدة بسيطة ثم دق الجرس الذي يعلن صلاة نصف
الليل، ثم دق جرس آخر واستيقظت. كان الجو بارداً بعض
الشيء، وقد غمرتني موجة من الكسل على أنني قمت وسرت
بدون شمعة في الظلام، إلى الكنيسة. وهناك وجدت الآباء
الرهبان العابدين، يصلون، فوقفت بينهم. ويحي أنا الإنسان
الشقي، هل كنت أحسب مجرد وقفتي هناك صلاة..
انتهت التسبحة ثم بدأت صلاة باكر ثم بدأ القداس.
وحين خرجنا من الكنيسة كان النور قد غمر الدير.. ولم أكن
في حاجة إلى شمعة.. هذا الدير العابد يقيم قداساً في كل يوم:
وفي يوم الأحد هذا بالذات كان يقام قداس آخر في نفس

الوقت في كنيسة الملاك ميخائيل في الحصن القديم..
في المدرسة
كان يوم الأحد حافلاً كله للزيارات، زار فيه الدير أكثر
من مئة شخص أجانب ومصريين. أما في صباح الاثنين،
فاتيحت لي بعد القداس، فرصة أرى فيها المدرسة الجديدة
التي أسسها الأب الأسقف في الدير، وعهد بالإشراف
عليها إلى القس مكاري.. إن الرهبان يدرسون فيها اللاهوت
والعقائد والطقوس وتاريخ الكنيسة ودرس الكتاب المقدس
وأقوال الآباء واللغة القبطية. كل راهب له كراساته الخاصة
ومذكراته، وهم مواظبون على العلم، تعقد لهم امتحانات في
أوقات متفاوتة، وستؤدي هذه المدرسة فائدة كبرى بإذن الله،
والأب الأسقف يحوط هذا المعهد الرهباني بجانب كبير من
رعايته. لقد ذهب بنفسه، وجلس مع الرهبان، واستمع إلى
بعض من الدروس، ورأي كيف تلقى وكيف تسير المناقشات،

ثم بارك الجميع وانصرف ليشرف على باقي أعمال الدير.
وأخيراً
كان موعد رحيلي قد حان، ووقفت أنظر إلى الدير وإلى
الاباء الرهبان الودعاء المتواضعين، وشعرت برغبة كبيرة
في البقاء، لولا أنه تمنعني إلى حين بضع خدمات وأمور في
الطريق.
وأما أنت يا أخي الحبيب يا من لك تلك الرغبة، وليس
هناك ما يعوقك سوى شائعات تدور حول روحانية الأديرة
الآن، إليك يا أخي الحبيب أكتب هذا المقال لعلك تعيد
التفكير في الموضوع. الرب معك. أذكرني في صلاتك.


Monday, April 8, 2013

الرهبان ملائكة أرضيون

  
 يقال عن الرهبان أنهم ملائكة أرضيون..فما معني كلمة ملاك..ولماذا شبه الرهبان بالملائكة

 أول شيء يتصف به الملاك أنه  روح..الذي خلق ملائكته أرواحا وخدامه نارا تلتهب

فاذا قلنا علي الراهب أنه ملاك..فهذا لأنه يعيش كالروح..بعيد عن أعمال الجسد وبعيد عن أعمال المادة
الراهب يسلك كالروح اذا رفض كل شهوات الجسد..منها شهوة الطعام..ومن هنا كان الرهبان أهل نسك و صوم ولايهتمون بمطالب هذا الجسد
عندما زار القديس مكاريوس الأسكندري أديرة القديس باخوميوس سلك صوم عجيب في الصوم الكبير قال رهبان عن الدير عن 
القديس مكاريوس أن هذا الانسان ليس له جسد..من كثرة و قوة الصيامات

أتذكر أبونا عبد المسيح الحبشي كان يمشي في البرية كالغزال..جسمه خفيف جدا

اذا الرهبان ملائكة من حيث عدم الاهتمام بطلبات الجسد..من جهة الانقطاع عن الطعام..ومن جهة نوع الطعام كما قال أحد الأباء اذا قدم لك طعاما تشتهيه نفسك فافسده قليلا ثم كله

ومن هنا كان التذمر علي الطعام ليس من طبع الرهبان

الراهب يسلك بالروح عندما يحافظ علي عفته والعفة عن الراهب أكثر من العفة عند العلمانيين
حتي من جهة الملابس يغطي جسده كله ولايكشف شئ من جسده

يقول القديس مار اسحق أن الراهب يجب أن يحافظ علي عفته و حشمته حتي داخل قلايته 
يجب علي الرهبان أن يحافظوا أيضا علي عفة الفكر..ولا ينفذون أي فكر يأتي اليهم بل يقاوموه حتي الدم

الراهب أيضا يسلك كالملاك من جهة السهر..لا يعطي جسدة ما يطلبه من راحة أو نوم ..الروح نشيط أما الجسد فضعيف 

والكنيسة تساعد الراهب في السهر عن طريق الهجعات الثلاثة و صلاة نصف الليل والتسبحة
من امثلة القديسيين الذين كانوا يتعبون الجسد الآباء العموديين مث سمعان العامودي و لوقا العامودي

عندما يتعب الراهب جسدة يصبح هذا الجسد عبدا لارادة الانسان ولا يكون له كيان له مطالبه

أيضا من  أمثلة القديسيين الذين أتعبوا جسدهم القديس بولا الطموهي الذي ظهر له السبد المسيح وقال له كفاك تعبا يا حبيبي بولا
ونحن نصلي في صلاة الساعة التاسعة (أمت حواسنا الجسدانية أيها المسيح الهنا ) يعني لا تكون الحواس لها نشاط متعب للروح

لذلك من الفضائل المشهورة عند الرهبان حفظ الحواس..حتي لا تطيش فتتعب الروح


الراهب يسلك كالملاك من جهة نقاوة القلب التي يتبعها أيضا نقاوة الفكر والظنون
الشخص صاحب القلب النقي تكون ألفاظه و حواسه نقية..من فضلة القلب يتكلم اللسان

الراهب يسلك كالملاك من جهة الطاعة..لتكن مشيئتك كما في السماء كذلم علي الأرض

فالملاك ينفذ الأمر كما هو تماما بلا مناقشة ولا ابطاء..الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه

محاضرة القيت للرهبان بصوت قداسة البابا شنودة الثالث

التدوين القادم - الحياة الرهبانية السليمة











Thursday, April 4, 2013

من هم الملائكة الأرضيون؟

ما معني كلمة ملائكة أرضيون..الملائكة في السماء فقط..وأحيانا بعثهم الله في مهام محدودة ثم يرجعون الي السماء مرة أخري..اذا من هم الملائكة الأرضيون؟

الحقيقة أن الملائكة الأرضيون هم البشر الذين تشبهوا بالملائكة..وهم من نطلق عليهم..الرهبان الأقباط.

ما هو عمل الملائكة الأصلي؟ عملهم..هو أن يسبحوا الله..خالق السماء والأرض.
وهذا ما يعمله الرهبان..عملهم الأصلي هو أن يسبحوا الله علي الدوام.
كلمة قالها قداسة البابا شنودة عن الرهبان..(أي عمل يقوم به الرهبان..يقدر أن يقوم به البشر..الا عمل الصلاة الدائمة)
فالراهب يصلي وهو يعمل..وهو يأكل..وهو يتمشي..وقبل أن ينام ..حتي يكون وهو نائم..عقله مستيقظ و يصلي.

من الكنائس التي كان يحب البابا أن يقضي بها أوقاته في الدير..كنيسة الملاك ميخائيل والأنبا أنطونيوس (مؤسس الرهبنة القبطية)..وكان يفسر دائما بسر حبه لهذه الكنيسة بأنها علي اسم الملاك ميخائيل رئيس الملائكة السمائيين والأنبا أنطونيوس رئيس الملائكة الأرضيين.

الرهبان يصلون في كل الأوقات..ولكل الناس..فهم يشابهون موسي الذي ظل يصلي و يشوع يحارب..فهم يصلوا من أجل الكنيسة المجاهدة دائما.

أب الرهبنة كان القديس الأنبا أنطونيوس القبطي الذي ولد في المنيا..وهو المثال الذي يحتذي به في الرهبنة في كل العالم ..الآن.

كثير من الناس كتبوا عن الرهبنة..أناس من داخل مصر ومن خارجها..وكثيرا ما تكلموا عنها في اللقاءات والندوات..ولكن يا أخي و أختي سأضع بين أيديكم أجمل ما قيل عن الرهبنة..سأقول لماذا

في سنة 1980 صدر قرار من رئس الجمهورية آنذاك بعزل البابا شنودة الثالث من منصبه و تعيين لجنة من خمسة أساقفة لادارة الكنيسة..فذهب البابا شنودة الي دير القديس الأنبا بيشوي..و ظل بالدير الي سنة 1985.

ما نظنه نجن ظلم هو تدبير الهي..شاء الله أن في هذه السنين أن يجتمع البابا بالرهبان ويبدأ محاضرات عن ما عشقه قلبه..وأحبه كثيرا..لدرجة أنه ترك العالم من أجله ..الرهبنة.

تسمع أجمل ما يمكن أن يقال عن الرهبنة..وليس تقاليد فحسب..إنما حياة الراهب كيف تكون..عاداته..صلاته..صمته..وعود الله له..حياة الصلاة الدائمة..وغيرها الكثير..

سأضع هذه العظات مكتوبة ان شاء الرب و عشنا بين يديك يا أخي و أختي..لأن الكثير من الناس من كل الأطياف لا يعرفون شيئا عن حياة الرهبان ولا عن الأديرة..

لكن..أريد أن أضع أمامك شيئا مهما..ربما قابلت بعض الرهبان..وربما رأيت بعضهم وشاهدت تصرفاتهم..وقلت كيف يكون هذا راهب؟ أين كل الأوصاف الجميلة الذين يصفون بها الرهبان من حب ووداعة و...الي آخره

نعم من الممكن أن يكون هذا صحيحا..ولكنني سأضع لك الحياة الأصلية -الممكن ان تعاش وليس حياة صعبة- طالما نعمة الرب معك..ومن يعلم ربما يحرك الله قلبك فتشتاق الي هذه الحياة و تكون من أوائل الناس الذين يعيدون الي الرهبنة أصوليتها و جمالها..

أصلي من قلبي أن تلمس هذه الكلمات البسيطة قلبك..وان كنت غير مسيحي..تعرف ما هي الرهبنة و ماذا يفعل الرهبان..

التدوين القادم - الرهبان ملائكة أرضيون- لقداسة البابا شنودة الثالث- نيح الله روحه.